تحصل أحزاب اليمين في إسرائيل، وحزب الليكود الحاكم بشكل خاص، على أغلبية أصوات الشرائح الاجتماعية اليهودية الضعيفة والفقيرة. والحكومات الإسرائيلية في العقد الأخير، برئاسة بنيامين نتنياهو، فازت بأصوات هذه الفئات، خصوصا في الانتخابات الأخيرة، رغم أن سياسة هذه الحكومات هي قومية متطرفة وتسعى إلى تدمير مؤسسات هامة، مثل المحكمة العليا.
وسعى الباحث في جامعة بار إيلان، البروفيسور دافيد باسيغ، إلى تفسير هذه الظاهرة، في مقال نشرته صحيفة "غلوبس" اليوم، الخميسن مشيرا إلى أن ظاهرة تصويت الفئات الاجتماعية الضعيفة لأحزاب اليمين لا تنحسر في إسرائيل وإنما هي ظاهرة عالمية، وحاول تفسيرها من خلال "النظرية الجغرافية".
وحسب "النظرية الجغرافية"، فإن ثمة ما يمكن أن تخسره الطبقتان المتوسطة والدنيا من إصلاحات اقتصادية وصراعات قومية مع دول مجاورة. "وهذا النقص المحتمل بات أكثر وضوحا وعمقا، خلافا للاعتقاد السائد، كلما كان المجتمع متطور واقتصاده مزدهر".
وأضاف باسيغ أنه "كلما أصبحت الطبقات العليا، التي بحوزتها موارد، عالمية أكثر، واتسعت جذورها الجغرافية لتصبح أقل محدودية، تميل هذه الطبقة إلى تحمل مخاطر أكثر في مجال الأمن القومي والفرص الاقتصادية. كذلك تكون مستعدة أكثر لتحمل مخاطر في خطط سلام وتنازلات قومية والتطوير الاقتصادي والمنافسة العالمية".
في المقابل، وفقا لباسيغ، فإن "الطبقة الوسطى وبشكل خاص الطبقة الدنيا، وباستثناء أوضاع متطرفة يكون واضحا فيها أنه ستنشب حرب كارثية على وجودهما أو سلام أكيد وشيكا، لا يمكنهما تحمل مخاطر في شؤون خارجية واقتصادية والأمن القومي".
وأضاف "بما أنهما ’عالقتان’ في الحيّز الجعرافي الذي تعيشان وأولادهما فيه، من دون قدرة على وضع خطة داعمة في حال تدهور الأوضاع الاقتصادية والأمنية، فإنه لا يمكن لهاتين الطبقتين أن تسمحا لنفسهما ’بالترفه’ بأفكار التسويات التي تشكل خطر على أمنهما وقد تؤدي إلى فقدان الهوية القومية والدينية والاجتماعية".
وفي وضع كهذا، تكون الطبقة العليا "مستعدة لتحمل مخاطر والمساومة مع كيانات تضع تحديا أمام هوياتهم، لمعرفتهم بأنه في أسوأ الأحوال توجد لديهم الإمكانية والمكان للاستمرار قدما، بينما تطور الطبقات الدنيا قيما محلية ودينية وقومية متشددة أكثر وهي ليست مستعدة لتحمل مخاطر غير محسوبة وإنزال كارثة على وجودها ووجود عائلاتها".
وأضاف باسيغ أن الطبقات الدنيا لا تثق عادة بتعهدات الطبقات العليا حول تحسين ظروف حياتهم، "وهم غالبا يشككون بأن هذه التعهدات تأتي من طبقات يمكن أن تهملهم إذا لم تتطور المخططات بموجب التعهدات".
وتابع أن "النظرية الجغرافية" توضح أيضا سبب عدم وضع الطبقات الدنيا في رأس اهتماماتها قضايا اجتماعية واقتصادية، "وترفع على رأس أولوياتها، في صندوق الاقتراع، اعتبارات أمنية وسلم قيم قومي وديني وفئوي ومحلي بارز. وفي المقابل، تفسر النظرية بشكل أفضل، سعي الطبقات العليا إلى المناداة بالمساواة الاجتماعية والاقتصادية، وعدم التشديد على المخاطر الأمنية وتحديات الهوية".
جمهور اليمين ضد المحكمة
رجح الكاتب الصحافي رون كحليلي، في مقال في صحيفة "هآرتس"، أمس، أن الدعوات التي يطلقها قادة حزب "مباي" الجديد، وهم قادة قائمة "كاحول لافان" بيني غانتس ويائير لبيد، ومعهم قادة المعارضة، بأن يعترض الجمهور في إسرائيل على خطوات تعهد نتنياهو وحكومته الجديدة بتنفيذها ضد المحكمة العليا، ستنزل على آذان صماء.
وفسر كحليلي سبب ذلك بأنه طوال 29 سنة (1948 – 1977) من حكم حزب "مباي"، الذي أصبح يعرف لاحقا بحزب العمل، "تم الدوس على أي أحد لم يعجبهم - العرب، اليهودي الشرقيين، الحريديين، المستعمرين". ورأى أن "قلب الحكم لن يأتي من هذا المعسكر، الذي يدرك، وإن لم يعترف جهارة، بأن نتنياهو جيد للأشكناز، وأن بلدات الأطراف التي غالبية سكانها يهود شرقيون مملون بالنسبة له (كما قال نتنياهو لمواطنة من كريات شمونيه)، ورغم أن قسما منهم، المخلص لليمين، يتمتع بثمار النمو الاقتصادي".
واعتبر كحليلي أن سكان بلدات الأطراف "يعلمون أن جهاز القضاء الإسرائيلي لا يقف إلى جانبهم، ليس فقط لأن الغالبية العظمى من القضاة والقاضيات في إسرائيل يبدون مثل غانتس ولبيد، وإنما لأن طلباتهم ورجاءهم للعدالة، طوال 71 عاما من الاستقلال، نزلت دائما على آذان صماء".
وأضاف انه "عندما كانت الصهيونية البيضاء تتمتع بمتع جهاز القضاء، الذي عمل لصالحها دائما، سرقت الذراع الثانية، السياسية، أولادهم اللينين للشرقيين وتاجرت بهم دون عائق؛ زجت بهم في المعبروت (جمع معبراه، وهي مراكز تجميع المهاجرين من الدول العربية في إسرائيل) وبعد ذلك في بلدات فقيرة معزولة؛ منعت عنهم ثقافة أساسية وإمكانية الوصول إلى التعليم العالي؛ وقررت أن تصل أموال الضرائب البلدية إلى الكيبوتسات والموشافيم، التي تسكنها أقلية مميزة، ونشرتهم في الوحدات الميدانية المنحطة في الجيش، ودفعتهم إلى مكاتب التشغيل، وأذرع الدين المتطرفة وكراهية متقدة للعرب. والمحكمة صمتت...".
"والآن، عندما عادت النخبة القديمة إلى الحياة ووضعت نصب أعينها هدفا جديدا – قديما، تحصين المكانة المميزة للمحكمة، التي تتعرض لهجمة شديدة، يستغربون جميعهم كيف أن الرعاع، الذي يتصرف مثل ’امرأة معنفة’، بغريزة مظلمة، لا يستجيب بحماس ولا يغرق شوارع إسرائيل بالمطالبة بعدل غربي"