في الساعة الرابعة عصرًا، من يوم الرابع من حزيران عام 1967، تململ الناس في بلد كفر عرب في جبل الخليل وهبوا من قيلولتهم، بسبب ذلك الصوت الذي اخترق تلك القيلولة، والمنبعث من دراجة نارية، عرفوها على الفور، إنها دراجة المراسل العسكري، الذي توقف أمام مخفر الشرطة الذي كان طابقه الثاني سكنا للملازم أول محمود قائد المركز، الذي كان بدوره يعرف هذا الصوت والذي نظر من النافذة ورأى المراسل العسكري يترجل عن دراجته، فأسرع في نزول الدرجات العشر الأولى وصولا إلى المخفر، حتى انه استقبل السلام العسكري ورد عليه وهو لا يزال في ملابسه المدنية، وتسلم من المراسل الظرف المختوم بالشمع الأحمر الذي حكه بإظفره، وفتح الظرف وأخرج منه ورقة رقيقة، تحتوي على التعليمات التي يجب اخبار الناس بها في كفر عرب بأقصى سرعة، فنادى على سكرتيره يوسف، حلال المشاكل، وهو موظف مدني بالقطعة، ولكنه اكتسب اهميته لذكائه الشديد، وقدرته على حل المشاكل الطارئة، وهكذا ذهب يوسف لإحضار عبد الشقي العتال المشهور الذي احترف المهنة لمدة خمسين سنة، حتى فقد القدرة على العتالة، فهو كما قال لا يستطيع الآن حمل حبة بندورة، فأورثها لابنيه خميس وجمعة، وكان بالاضافة الى العتالة التي هي فن و ذوق وأخلاق كما اوصى ولديه قد احترف المناداة ، يكلفه اهل كفر عرب بالمناداة على اشيائهم المفقودة، كما احترف الأذان والمناداة للسحور في رمضان، وعندما احضره يوسف للملازم اول محمود، ونادى بالكلمات التي لقنوه اياها، اصبح من وقتها يلقب بوزير إعلام الحرب.
الحرب يجب أن تقع، لأن الحرب ليس لها سوى معنى واحد هو النصر، في حرب 48 كانت الهزيمة لكن الآن الحرب يجب ان تكون النصر، هذه قناعة مطلقة عند ابو علوان صاحب المقهى، الذي تربطه علاقة بزعيم الأمة جمال عبد الناصر من ايام حصار الفالوجة عام 1948،و كان احمد سعيد مدير اذاعة صوت العرب قد طلب من السمك ان يتجوع لكي يلتهم جثث الاسرائيليين الذين ستقتلهم الكماشة الحديدية التي ستنطبق علهيم كما شرح ابو علوان الأمر فأين سيذهبون، أما نعيم اللاجئ، صاحب صالون الحلاقة العصري والذي كان يؤمن ان هذه الحرب ستعيده الى الدوايمة، وهو ابن اكبر ملاكها، والحرب التي هي النصر هي وحدها التي ستعيده الى الدوايمة، فقد عانى ما لا يمكن توقعه، حيث ذهب ليخطب ابنة جابر أبو الجود كبير كفر عرب، وشيخ مشايخها، ومنقع الدم في قضايا الصلح العشائري، ردت، احدى النساء على طلبه بالقول "حلاق ولاجئ وبدو يتزوج ابنة جابر ابو الجود!!!"، ان كلمة لاجئ افدح كلمة يمكن ان يسمعها انسان، فمسرح الرواية هو كفر عرب، وابطالها يبدأون بشيخ مشايخ كفر عرب والجبل برمته ومنقع الدم عبر بذكائه و قدرته على فهم الامور عدة حقب بقي خلالها في القمة، الحقبة التركية والانجليزية والاردنية وها هو يدخل الحقبة الصفراء، الحقبة الاسرائيلية وهناك ابطال كثيرون يسجلون حضورهم في هذه الرواية.
نبيل عمرو الذي اعرفه منذ حوالي خمسين سنة، حضر نفسه بشكل جيد للدخول الى زمن الرواية الفلسطينية، و أتوقع له ان يكون من فرسانها البارزين، و الحقيقة ان الفلسطينيين الذين سبقوه الى هذا النوع من الإبداع كانوا في الطليعة منذ بدايات النصف الثاني للقرن الماضي امثال يحيى يخلف "نجران تحت الصفر" وغسان كنفاني وروايته "رجال تحت الشمس" وجبرا ابراهيم جبرا و روايته "البحث عن وليد مسعود" وغريب عسقلاني وروايته "الطوق" وأخيرا و ليس آخرا، عارف الحسيني وروايتيه "كافرسبت" و حرام نسبي و ما زلت انتظر روايته الثالثة ، اما نبيل عمرو الذي يجعلني اشعر بقمة "الشغف" و"انا التهم" روايته الاولى التي صدرت بداية هذا العام من دار الشروق في رام الله وعمان فقد حضر نفسه بإتقان، وامتلك الادوات الكاملة ككاتب رواية متميز، فهو يدخلك اللحظة الخاطفة، ثم يقوم بتفجير اللحظة الى لحظات اخرى خاطفة اخرى لا تنتهي، وبخفة دم وذكاء شديدين، يقوم بملاحقة المفارقات، يستبطنها، يستخرج الاصداف المبهرة من الحجارة العادية ومن قلب اللحظات المشرقة الايقاع يأخذك الى منابع الدموع، ومن الرتم الثقيل الايقاع للنهايات الصادمة اليائسة، يفتح لك فجوة واسعة لسرمدية الامل، هكذا فعل بطله ابو علوان صاحب المقهى، الصديق الشخصي و الزعيم الذي سقط و اعترف بالسقوط، ابو علوان الذي ذاق المرارة بأقصى درجاتها لم يذهب مع المرارة الى نهاية الطريق ، فقد نادى الاصدقاء الذين يعرفهم و يثق بهم و قد تشاوروا فيما بينهم ما العمل، وقد اتفقوا بسرعة انهم سيفتتحون عهدا جديدا ووعدا جديدا، مجرد صلية طلقات رصاص، نعم مجرد صليات رصاص.
في روايته الأولى وزير اعلام الحرب "حجز نبيل عمرو لنفسه مقعدا في حضرة الروائيين الفلسطينيين الكبار اقرأوا روايته و افسحوا له الطريق.