ألقى سفير أميركا في إسرائيل ديفيد فريدمان، كلمة بمناسبة مرور عام على نقل سفارة بلاده للقدس العاصمة الفلسطينية المحتلة يوم الثلاثاء الموافق 14 مايو / أيار 2019، قال فيها: "فعلنا ما يفعله كثيرون منذ زمن، أنتجنا هيكلا جديدا في البلدة القديمة بالقدس، ونحن فخورون بهذا الأمر". وأضاف الصهيوني الحريديمي المتطرف قائلا: "إن مساحة السفارة الأميركية بالقدس سوف تتضاعف"، مؤكدا أن "الاعتراف الأميركي بالقدس ليس رمزيا فقط، بل نوعي، ويمثل اعترافا بالعلاقة التاريخية بين اليهود والقدس".
وكان ذات السفير الصهيوني نشر مقالا في صحيفة "يسرائيل هيوم" في الذكرى السنوية الأولى لنقل سفارة أميركا إلى القدس ذات اليوم آنف الذكر، مزورا الحقائق، ومدليا بشهادة لا أساس لها في الواقع، مفادها بإختصار شديد: "نحن على الجانب الأيمن من التاريخ، على عكس كل التوقعات السلبية التي قيلت. حققت السفارة نجاحا غير عادي، حيث عززت التعايش السلمي، والتعاون الثنائي، والتبادل الثقافي بين الإسرائيليين والفلسطينيين والأميركيين".
من المؤكد أن الإدارة الترامبية وقفت على الجانب الأسود من التاريخ منذ توليها الحكم مطلع العام 2017، وغادرت المساحة الرمادية، التي كانت تقف عليها الإدارات الأميركية السابقة بحثا عن لحظة سياسية ما للتصالح مع التاريخ، وإنصاف الشعب الفلسطيني من خلال استقلاله في دولته الفلسطينية المحتلة منذ الخامس من حزيران/يونيو 1967، وتحقيق السلام الممكن والمقبول على أساس حل الدولتين على الحدود المذكورة. لكن الإدارة الأفنجليكانية المتصهينة، وفريقها الصهيوني، بقيادة كوشنير، صهر الرئيس ترامب، قلبت المعادلة، وأغرقت أميركا في متاهة الأساطير الدينية، وصبيانية السياسة الانفعالية المتطيرة والمتطرفة، وانساقت مع مآلات المشروع الصهيوني في مرحلته النوعية الجديدة، وتبنت إقامة "الدولة الإسرائيلية الكاملة” على كل فلسطين التاريخية، مع استثناءات قطعة الجبن السويسرية، المتمثلة بوجود نتوءات هنا وهناك لحكم ذاتي هزيل، ومشروع اقتصادي فاسد، ومفضوح، وساقط سلفا.
وما أشار له السفير الأميركي الصهيوني، فريدمان، عن العلاقة التبادلية بين نقل السفارة الأميركية من تل ابيب إلى القدس، وإنتاج الهيكل الجديد في العاصمة الفلسطينية الأبدية، لدليل عميق الوضوح، بأن السفارة نفسها، لم تكن أكثر من هيكل جديد في الأرض الفلسطينية، إمعانا في التغول والصلف الأميركي في استباحة الحقوق والمصالح الوطنية، واستهتارا بحقائق الجغرافيا والتاريخ والقوانين الشرعية الدولية، ومرجعيات عملية السلام، وارتماء كليا في أحضان الصهيونية ومشروعها، الذي هو بالأصل مشروع للغرب الرأسمالي.
وأسوة بما تقوم به دولة الاستعمار الإسرائيلية في عمليات التهويد والمصادرة للأرض الفلسطينية عبر توسيع مستعمراتها، تقوم قيادة السفارة /المستعمرة /الهيكل، كما يعلن بملء الفم الحاخام فريدمان بتوسيع مساحتها على حساب الأرض والحقوق السياسية الفلسطينية، وهو ما يؤكد، أن العدوان الأميركي بات مباشرا، ومتلازما مع سعار الهجوم اليميني المتطرف الإسرائيلي.
وكشفا لزيف ادعاءات فريدمان عن الإنجازات والنجاحات التي حققها نقل السفارة، المستعمرة، الهيكل، فإن الحقائق الدامغة تقول، ان العلاقات الأميركية الفلسطينية لم تكن يوما أسوأ مما هي عليه منذ عام 1988 عندما بدأت الإنفراجة النسبية في العلاقات بين القيادتين والشعبين. ليس هذا فحسب، بل أن كل الخطوط مقطوعة إلا ما ندر منها، ولا يوجد نافذة أو باب مفتوح، والإدارة تدور حول نفسها طيلة ما يزيد على العام والنصف عام رغبة منها في جسر العلاقة مع القيادة الفلسطينية، لكن كل المسارات مغلقة، ليس رفضا من الفلسطينيين للعلاقة مع الولايات المتحدة، بل رفضا لسياسات وهمجية الإدارة الممسكة بزمام الأمور في البيت الأبيض. أما إذا ما كان يقصد فريدمان عن مجموعة "حزب الخليل" (روابط القرى الجديدة)، فهو يؤكد انه ساذج، وقاصر عن فهم العلاقات التي كانت قائمة بين أميركا وقياداتها السابقة على إدارته، وبين الشعب الفلسطيني وقيادته، الممثلة بمنظمة التحرير الفلسطينية، الممثل الشرعي والوحيد. فهذه علاقات مع أناس لا يمثلون إلا انفسهم، ولا اريد ان أضيف أكثر من ذلك الآن. فهل يراجع السفير الأميركي نفسه كي تسقيم عملية التقييم.