خاص مجلة القدس| العدد 349 لشهر آب 2018
تحقيق: وليد درباس

باتت العشوائيّةُ سمةً عامّةً تُؤثِّر سلبيًّا على مختلف مناحي الحياة في مخيَّم برج البراجنة الواقع في ضواحي العاصمة اللبنانية بيروت. فزحمـة العمران العمودي العشوائي في المخيَّم الذي لا تتجاوز مساحته 1 كلم2 تُوفِّر أدوارًا وغرفًا إضافيّةً لمواكبة الأعداد المتزايدة لأفراد العائلة الواحدة، لكنَّها في ذات الوقت تحرم المنازل وقاطنيها من نور الشمس والتهوئة الصحيّة، زد عليها عشوائيّة التمديدات الكهربائية، وضيق الأزقّة المعتمة وتشعُّباتها اللا مُتناهية.

وفوق كلِّ ذلك يعاني أهالي مخيَّم برج البراجنة، والذين يصل عددهم إلى نحو 45,000 نسمة، أوضاعًا معيشيّةً صعبةً جرّاء ندرة فرص العمل والضائقة الاقتصادية العامّة في المخيَّم في ظلِّ تقليصات "الأونروا" وعدم تقديمها الخدمات بما يتواءم ورداءة الأوضاع في المخيَّم، ما يضع المجتمع المحلِّي في حالة ترقُّب وانتظار لأيّة مساعدات تُوفِّرها مؤسَّسات منظّمة التحرير الفلسطينية، ومنها "الاتحاد العام للمرأة الفلسطينية"، وبعض الجهات الدولية وَفْقَ حديث عضو الاتحاد العام للمرأة الفلسطينية تمام البيتم.

(Habitat for Humanity) واتحاد المرأة شريكان في مـدِّ العون للأهالي
(Habitat for Humanity) هي منظَّمة عالمية تأسَّست في الولايات المتحدة الأمريكية ولها عشرات الفروع في العالم، ومن بينها فرع الشرق الأوسط الذي يشمل الأردن ولبنان. وتطال خِدمات المنظّمة الإنسانية جميع الجنسيات بغض النظر عمَّا إذا كانوا من المقيمين أو اللاجئين، على مستوى المخيَّمات والمناطق والبلدات. وتُنفِّذ المنظَّمة اليوم مشروعًا في مخيَّم برج البراجنة على مستويين؛ الأول التدخُّل لصالح المقيمين في البيوت لجهة تأمين التمديدات الصحية السليمة وملحقاتها، والحفاظ على السلامة والأمن بتوفير مكوّنات البيت من نوافذ وأبواب وغيرها بمواصفات حديثة، والثاني التدُّخل لصالح الشأن الاجتماعي العام على قاعـدة الحماية من الأخطار، وأبرزها الأخطار الكهربائية.
وفي هذا السياق، تُشير عضو قيادة "الاتحاد العام للمرأة الفلسطينية" في منطقة بيروت جنان الشافعي إلى وجود تعاونٍ وتنسيقٍ قائمٍ ما بين "الاتحاد العام للمرأة الفلسطينية" – فرع لبنان ممثَّلاً برئيسته آمنة جبريل ومنظَّمة (Habitat for Humanity) منذُ أربع سنوات، وتحديدًا في مجال ترميم البيوت على مستوى مخيَّمات بيروت.
وتُضيف: "المشروع الحالي يجري وَفْقَ معايير تلحظ العمل على تأهيل ما يلزم على صعيد المطابخ، والحمّامات، والنوافذ، والغرف، والأبواب، وغير ذلك، بسقف تكلفة مالية لا تتعدَّى 1500دولار إلّا في حال وجود حاجة ملحّة، كما حصل في بيت السيدة بهية عكر حيثُ وصلت تكلفة الصيانة إلى 2500دولار".
اختيار الشراكة مع الاتحاد سببه سعة اطلاعه على أحوال الناس
تردُّ عضو قيادة الاتحاد العام للمرأة في منطقة بيروت ندى عدلوني سبب اختيار منظمة الهابيتات اتحاد المرأة تحديدًا لمواكبتها في جولات العمل إلى اطلاع الاتحاد على أوضاع ومعاناة الناس وتحليه بالشفافيّة والمصداقية والموضوعية في توجيه الجهات المانحة لافتةً إلى أنَّ فريق عمل الاتحاد ضمن المشروع يتكوَّن من 5 أخـوات هنَّ: جنان الشافعي، وتمام البيتم، وإيمان إسماعيل، وسعدة موسى، وندى عدلوني. وتردف: "نحنُ نعمل بصفة متطوّعات بدون مقابل، ونُوجِّه مندوبي منظّمة الهابيتات خلال الجولات الميدانية صوب الاحتياجات الأكثر أهمية في حياة الناس كالتَّماس الحاصل بين شبكتَي المياه والكهرباء مثلاً، والذي يؤدّي لإصابة أبناء المخيَّم بصعقات كهربائية بين الحين والآخر. فخلال عام ونصف فقط خَسِرَ أكثر من أربعين شخصًا حياتهم بسبب مرورهم بمحاذاة الشبكات المتداخلة في أزقّة المخيَّم الضيّقة، ما استدعى إضافة هذه المشكلة لأجندة عمل المشروع".
وتضرب عضو الاتحاد وفريق العمل تمام البيتم مثالاً على كيفية التنبُّه لاحتياجات المخيّم قائلةً: "خلال تجوالنا بمحاذاة جامع فلسطين لفت انتباهنا وجود (طلعة) صعبة تنال من صحة وسلامة المارّة وخاصة العجزة وكبار السن، ما اقتضى إدراجها أيضًا على أجندة المشروع، والحمد لله كانت الأمور تسير بكلِّ سلاسة وبدون عناء".
ترميم بيوت وتحسين البنية التحتية للمخيَّم
سعدة الحسين ربّة أُسرة مُكوَّنة من خمسة أفراد وطفلة يتيمة، تُقيم في بيتٍ بالإيجار يتألَّف من غرفة واحدة وحمّام ومطبخ يبدو أنَّهما اقتُطِعا من مساحة الغرفة. وقد كانت سعدة إحدى المستفيدات من مشروع الترميم والتأهيل، حيثُ تقول: "زوَّدوا المنزل بسخّان مياه للحمّام، وحنفيات مياه، ومجلى صغير في المطبخ، وتمَّ طلاء الغرفة، وتركيب نافذة ألمنيوم وباب جديد للمنزل".
أمَّا الحاجة بهية عكـر فتعيشُ اليوم وحدها بعد زواج أبنائها وبناء بعضهم بيوتًا لهم في الطبقات العُلوية لبيت العائلة الأساسي. وبسؤالها حول ما وفَّره مشروع الترميم لها تقول: "قاموا بتركيب نوافذ وباب للحمّام، وباب حديدي للمدخل الرئيس، إضافةً إلى حنفيات وخلّاط للمجلى وشفّاط مياه، وقد زاد بعض المال ضمن الميزانية المرصودة فأضفتُ إليه مبلغًا بسيطًا وزيَّنتُ واجهة غرفة الضيوف". وتُضيف: "أشكرُ الأخوات في الاتحاد وكلَّ مَن ساعدني في تحسين وضع منزلي، وأدعو الله أن يمنَّ على أصحاب العون بالصحة والخير والعافية".
وتُشير البيتم إلى أنَّ المشروع حتى اليوم قد رمَّم 97 منزلاً في مخيَّم برج البراجنة، إضافةً إلى تأهيل طلعة جامع فلسطين وتزويدها بدرج و"درابزين" لتسهيل الصعود وضمانًا لسلامة العجزة، وإجراء أعمال صيانة للجدران على طرفي الطلعة وطلائها وتزيينها بالرسومات، وفصلِ شبكتَي مياه الشفة والكهرباء عن بعضهما، وتحديدًا في منطقة العاملية وبشكل جزئي، لافتةً إلى أنَّ المياه من النوع المالح ولا تصلح للشرب، وتُستعمَل لغيرها من الأغراض.

تنفيذ مشروع الإنارة
يُعَدُّ مشروع إنارة المخيَّم حسب حديث ممثِّلات الاتحاد في فريق عمل المشروع خطوةً مهمّةً وناجحة تُلبّي الحاجة الملحّة لدى الأهالي حيثُ أنَّ الحصول على الكهرباء من الشركة هاجس دائم ويومي لدى عامّة الناس، وخاصّةً في منطقة الوزان، إذ يُحرَمون منها بشكل شبه دائم رغم أنَّ كلّ بيت في المخيّم يدفع مبلغ 10,000ل.ل كبدل.
من ناحيته، يوضح التِّقني في مشروع الإنارة عضو لجنة جورة التراشحة، محمد رضوان أنَّ "مشروع الإنارة تجربة جديدة هي الأولى من نوعها في المخيَّم خاصّةً أنَّها ستُوفِّر حمايةً للمارّة من الأخطار الكهربائية، علاوةً على إضاءة الأزقّة المظلمة ليلاً ونهارًا ممَّا يحفظ سلامة الجميع وخاصّةً الأطفال".
ويضيف: "اقتضى المشروع مـدَّ شبكة بمساحة بلغت (2912 مترًا) وتفرَّعت عنها (813) نقطة إضاءة موزَّعة في جورة التراشحة القديمة وعدد من المناطق منها: (النجدة، الكلمة الطيّبة، ساحة أبو طاقـة، الأشوح، العالول، سينما بلس...). واللافت أنَّ المشروع بإمكانه الاستغناء عن التيار الرئيس للشركة لتشغيله، لأنَّه صُمِّمَ بطريقة تُمَكِّنه من العمل بقوة (8 أمبير)، وأصحاب المولّدات الخيّرون، والسيد دعبول المحترم تبرَّع بتأمينها من مولّدات الديزل خاصّته، وأيضًا وبكل يُسر من خلال علب الصيانة الكهربائية".