خاص- مجلة "القدس" العدد 347 ايار 2018
غزّة| محمد الذهبي

الخامس عشر من أيّار، التاريخ الأصعب في عمر القضيّة الفلسطينيّة، فهو يومُ "النكبة"، يستذكرُ فيه الفلسطينيون في الوطن والشتات ما حلَّ بهم من مأساةٍ إنسانيّةٍ، حيث هُجِّروا من أراضيهم قسرًا على يد الغاصب الصهيوني، تمهيدًا لقيام كيان الاحتلال على جُثَثِ وركامِ أحلام أبناء فلسطين.

ومن باب المسؤوليّة الدوليّة والأُمَميّة عن شعبٍ هُجِّر عن أرضه، كان لزامًا على المجتمع الدولي إيجاد جسمٍ مُساندٍ لأكثر من مليون لاجئ فلسطيني أُجبِروا على ترك بيوتهم ومصادر أرزاقهم هَرَبًا من آلة الحرب والموت الصهيونية، فكانت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا".
وعملاً بالتفويض الممنوح لها من الجمعية العامة للأمم المتحدة، المسؤوليّة المنوطة بها تجاه اللاجئين، واصلت "الأونروا" طيلة سبعين عامًا تقديمَ خدماتها للاجئين في مختلف مجالات الإغاثة والتنمية البشرية، بما فيها التعليم والصحة والتشغيل، إلّا أنَّ تعرُّضها لأزمةٍ ماليّةٍ في السنوات الأخيرة أدّى لتراجعٍ كبيرٍ في مستوى خِدماتها، ما انعكسَ بشكلٍ فادحٍ على مستوى حياة اللاجئين الذين يعتمدون عليها كمصدر رئيسٍ للخدمات الأساسية، وخاصّةً في قطاع غزّة الذي يعيشُ حصارًا وأزماتٍ معيشيّةً خانقةً.

واقعُ اللاجئين في غزّة
وَفْقًا لتعريف "الأونروا"، الموجود على موقعها الإلكتروني الرسمي، فإنَّ اللاجئين الفلسطينيين هُم أولئك الذين كانوا يُقيمون في فلسطين خلال الفترة ما بين حزيران 1946 وحتى أيار 1948، والذين فقدوا بيوتهم ومورد رزقهم نتيجة حرب 1948، وبالتالي تُقدِّم خدماتها للذين ينطبق عليهم هذا التعريف من المسجّلين لديها، والذين يحتاجون المساعدة، ويقطنون في مناطق عملياتها، ويُقدَّر عددُهُم بحسب إحصاءات الوكالة بـ5.3 مليون لاجئٍ فلسطينيٍّ يتوزَّعون على لبنان وسوريا والأردن وقطاع غزّة والضفة الغربية.
ويضمُّ قطاع غزّة ثمانية مخيَّمات لجوء هي: البريج، والشاطئ، والمغازي، والنصيرات، وجباليا، وخان يونس، ودير البلح، ورفح، يعيش فيها 1.1 مليون لاجئ فلسطيني، ويستفيدُ قرابة 273 ألف طالب من خدمات "الأونروا" التعليمية في أكثر من 72 مدرسة موزَّعة على محافظات القطاع، إلى جانب 22 عيادة ومركزًا صحيًّا، كما يتلقَّى مليون لاجئ في غزّة مساعدات غذائية وبعض المساعدات العينية، ويحصل اللاجئ أيضًا على قروض تشغيلية وبرامج بطالة وفُرَصِ عملٍ مؤقّتة، فيما يستفيد مئات آلاف اللاجئين من برنامج الدعم النفسي الذي تُقدِّمه "الأونروا".
وبحسب الجهاز المركزي للإحصاء، فقد بلغت نسبة اللاجئين في قطاع غزّة نحو 67% من إجمالي السكان، 41% منهم أطفال ما دون الـ15 عامًا، و4% من كبار السن (60 عامًا وما فوق)، فيما ارتفع معدل البطالة بين اللاجئين ليصل إلى 27.9%، مقابل 19.8% من غير اللاجئين. وتُعدُّ هذه المخيَّمات إحدى أكثر أماكن العالم اكتظاظًا بالسكان الذين يعانون من مشكلات كبيرة على مستوى المعيشة والبنى التحتيّة والصحة وغيرها.
وذكر مدير عمليات "الأونروا" في قطاع غزّة ماتياس شمالي أنَّ حاجة اللاجئين الفلسطينيين تجاوزت التدخُّل الإنساني فحسب، بل تعدّته إلى ضمان الحق في العمل والتنقل والسفر، لا سيما أنَّ نسبة الفقر بينهم في غزّة ارتفعت إلى 77%، وحذَّر من أنَّ قطاع غزة في طريقه للانفجار في حال استمرَّت الأزمة المعيشية الحالية، لافتاً إلى أنَّ التمويل المالي المتوفر لدى الوكالة يكفي لتقديم خدماتها حتّى شهر تموز المقبل فقط، ومنوِّهًا في هذا السياق إلى أنَّ تقليص خدماتها سيُهدد الاستقرار الموجود ويُسرّع تدهور الأوضاع.

"الأونروا" لن تتراجع عن مسؤوليّاتها
يُؤكِّد المتحدث الرسمي بِاسم "الأونروا" عدنان أبو حسنة أنَّ الوكالة ما زالت تتحمّل مسؤوليّاتها كاملةً تجاه اللاجئين وستُواصل تزويدَهم بالخدمات إلى أن تُحلَّ قضيّتُهُم بشكلٍ عادلٍ وشاملٍ.
ويُضيف أبو حسنة في حديثه لمجلة "القدس": "توجَد أزمةٌ ماليةٌ كُبرى وغير مسبوقة، في تاريخ "الأونروا"، بل وتُشكِّل تهديدًا وجوديًا لـها، وقد بذلنا جهودًا كبيرةً لسدِّ العجز الذي بلغ أكثر من مائتي مليون دولار أميركي، والذي يُهدِّد أيضًا بداية العام الدراسي، ولكن حتى في ظلِّ هذا العجز هناك التزام من الوكالة تجاه اللاجئين الفلسطينيين، وتوجَد محاولات كبرى لسدِّ هذا العجز، وقد أطلقنا حملةً ضخمةً تحت عنوان "الكرامة لا تُقدَّر بثمن"، وهي حملة تستهدف دول ومؤسسات العالم والمنطقة الإسلامية والعربية والقطاع الخاص والمانحين، من أجل الحصول على مزيد من التمويل وسدِّ هذا العجز الخطير".
وبسؤاله عن أثر الأزمة على مستوى الخدمات التي تُقدِّمها "الأونروا" للاجئين في قطاع غزّة، يقول: "على الرغم من خطورة الأزمة وضخامة حجمها، إلا أنَّ "الأونروا" لم تقم حتى اللحظة بأيّة عمليات تقليص في الخدمات المُقدمة للاجئين في غزّة، ونتمنَّى ألّا تصل الأمور إلى نقطة تتأثَّر بها هذه الخدمات".
وينوِّه أبو حسنة إلى أنَّ إجراءات تقشُّفية داخليّة في "الأونروا" تجري حاليًا ومنذ أشهر طويلة، بهدف التخفيف من النفقات والحفاظ على مستوى الخدمات، موضحًا أنَّ من بينها منع السفر وشراء العربات، وتجميد النفقات الداخلية التي تستطيع "الأونروا" تقليصها، ومشيرًا إلى تبرُّع المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المُتحدة بمائة مليون دولار لـ"الأونروا" خلال مؤتمر روما، إلى جانب أنَّ جهودًا كبرى تُبذَل من طرفهم في هذا الاتجاه، إلى جانب استهداف مؤسسات الزكاة والقطاع الخاص ورجال الأعمال لجمع التبرعات وتوسيع دائرة المانحين.
ويلفت أبو حسنة إلى أهميّة الدعم الذي تتحصّل عليه "الأونروا" حاليًا من الجهات المختلفة في سدِّ جزءٍ من العجز الذي تعانيه، مُثنِيًا على ما قدّمته السعودية والإمارات وقطر، حيث قدّمت كل منها نحو خمسين مليون دولار أميركي.
ويرى أبو حسنة مشكلةً في أنَّ "الأونروا" تعملُ في قطاع غزّة وحدها على دعم وإسناد اللاجئين، حيثُ أنَّها لا تستطيع حاليًا مواجهة حجم الانهيارات الكبرى التي يعيشها القطاع المحاصَر والمدمَّر، مُشدِّدًا على أنَّ القطاع الخاص بعد أن شكَّل المشغِّل الأكبر في منظومة العمل في غزّة، أصبح اليوم مُنهاراً تماماً، ومُضيفًا: "لأجل كلِّ ذلك نحن في غزّة نقوم بأقصى جهدٍ ممكن، بل وبجهد يفوق طاقتنا، إذ يجب أن تكون هناك حكومة فلسطينية فاعلة، وأن يكون هناك انسجام أكبر في العمل، ولكن في غزّة نحن العنوان الوحيد للتشغيل وتقديم المساعدات الغذائية للاجئين، لذا لا نُبالغ إن قلنا إنَّ "الأونروا" تبذلُ جهدًا خُرافيًّا من أجل تلبية حدٍّ مقبولٍ من احتياجات اللاجئين".

لاجئو غزّة مُتمسِّكون بحق العودة
أظهرَ استطلاعٌ أجراه مركز "الدراسات والرأي العام" في جامعة الأقصى في غزّة أنَّ 82% من الفلسطينيين المستطلَعين يمتلكون المعرفة الكافية عن حقِّ العودة، و98% منهم متمسِّكون بحقِّ العودة لأوطانهم وأراضيهم التي هُجِّروا منها عام 1948، كما يمتلك 72% من اللاجئين المستطلَعين في قطاع غزّة معلوماتٍ كافيةً عن مدنهم وبلداتهم التي هُجِّروا منها.
وذَكَرَ الاستطلاعُ أنَّ 92.5% من اللاجئين يعتقدون أنَّ تطبيق الأمم المتحدة لقرارات الشرعية الدولية سيُسهِم في تحقيق العودة، كما يؤيِّد 63% من اللاجئين اللجوء إلى المحاكم الدولية لإرغام الاحتلال الصهيوني على تطبيق مقرَّرات الأمم المتحدة الخاصّة بحقِّ العودة.
وعن مدى الاستعداد للتضحية من أجل العودة، أفاد 93.6% من أفراد العيِّنة أنَّهم مستعدون لذلك، ورأى 76.7% منهم أنَّ الفعاليات الجماهيرية على الحدود الشرقية لقطاع غزّة تساهم في التأكيد على حقِّ العودة، وعبَّر 97% عن رفضهم الهجرة إلى مكان آخر والتعويض مقابل التنازل عن حقِّ العودة المقدَّس.
إذًا وبرغم كلِّ الصعاب والتحدّيات والضغوطات، يبقى حقّ اللاجئ الفلسطيني في وطنه والعودة إلى أرضه التي هُجِّر منها قسرًا، حقًّا مقدّسًا، لا يمكن لأحدٍ أن يتخلّى أو يتنازل عنه، بل إنّه حلم كلِّ لاجئ طُرِدَ من أرضه، حلم الآباء والأجداد المتمدِّد إلى عمق الأرض الفلسطينية، وحتى تحقيقه.