بيان صادر عن قيادة حركة فتح – لبنان

في مثل هذا اليوم قبل سبعين عاماً، استكملت الحركة الصهيونية والدول الاستعمارية المتحالفة معها التنفيذَ العملي والميداني للمؤامرة التاريخية على الشعب الفلسطيني، وأرضه المباركة التي احتضنته منذ ما يزيد على أربعة آلاف سنة. هذه المؤامرة التي برزت معالمها السياسية العام 1917 مع صدور وعد بلفور رئيس وزراء بريطانيا، في الثاني من شهر تشرين الثاني، وهذا الوعد اقتضى أن تقدم بريطانيا المنتصرة في الحرب العالمية الاولى والمنتدبة على الاراضي الفلسطينية بقرار دولي، أن تقدم الأراضي الفلسطينية هديةً إلى اليهود الذين تم تجميعهم من شتى أقطار العالم بما في ذلك الاوروبية، والعربية، والاميركية بعد أن لفظتهم تلك المجتمعات بسبب سلوكهم العدائي والشاذ للمجتمعات البشرية التي عاشوا فيها.

من هذا المنطلق، وجد الاستعمار الجديد المنتصر في الحربين العالميتين الأولى والثانية، ومن أجل تعزيز وجوده الاستعماري، وخطوطه التجارية، وهيمنته السياسية والاقتصادية على المنطقة، رأى ضرورة إستثمار العصابات اليهودية، والمجموعة اليهودية القادمة من كل بلاد العالم والذين لا تجمعهم جنسية محددة، ولا لغة واحدة، ولا ثقافة، ولا تاريخ واحد، وإنما المصالح الغربية هي التي استقدمتهم بمساعدة الحركة الصهيونية التي كانت تنشر الرعب بينهم لدفعهم إلى الاراضي الفلسطينية.

إن التخطيط الدقيق والحاقد على فلسطين وأهلها، وتاريخها، ومقدساتها، والذي قادته بريطانيا، وفيما بعد حليفتها الولايات المتحدة، استطاع أن يُحكم السيطرة على موضوع إقامة الكيان الصهيوني بقوة السلاح، وجبروت العصابات الصهيونية المسلَّحة والمدرَّبة على أيدى الاستعمار البريطاني، وسياسياً من خلال وثيقة الانتداب البريطاني التي أكدت على أحقية وعد بلفور وضرورة تنفيذه لأنه أصبح قراراً له شرعية دولية بسبب شرعية الانتداب.

أما التنفيذ العملي لهذه الجريمة التاريخية المؤلمة، والمدمرة، والتي أطاحت بالسيادة الفلسطينية، والتي نكَّلت عملياً بأهل فلسطين من خلال المجازر المرعبة، وقتل النساء والأطفال، وتشريد الأهالي من ديارهم، وانتشار حالة الضياع، واللجوء، والسيطرة على الاراضي، واحراق وتدمير العديد من القرى الفلسطينية.

تم ذلك كله على مرأى ومسمع الهيئات الدولية، والجمعية العمومية، ومجلس الأمن، ووقفت الدول العربية عاجزة عن نجدة الشعب الفلسطيني ومساندته، باستثناء مجموعات من هنا أو من هناك دفعتها الحمية لتقف في بعض القرى مساندةً شعبنا، ولكنها سرعان ما عادت إلى قواعدها في دولها، وترُك شعبنا يلملم جراحَه، ويُحصي شهداءه، ويبكي حال أبنائه المشردين على أرضهم، أو خارج أرضهم. وما زلنا نكافحُ، ونقدم التضحيات، نتصدى لكل المخططات والمشاريع الصهيونية والاستعمارية، وما زال أهلنا في أرض الوطن منزرعين في كل قرية ومدينة، في كل جبلٍ ووادٍ، وما زال أهلنا مرابطين على كل شبر من ترابنا، صامدين بوجه الاحتلال الصهيوني يحرسون المقدسات، وأرض الرباط، ويصنعون الحرية متسلحين بالايمان، والارادة الوطنية، والصبر والإصرار، والتحدي بالصدور العارية، بالأظافرِ.

يا جماهير شعبنا العظيم... يا أهلَ الرباط والجهاد...

نحن اليوم أمام تحديات صعبة، وأمام مآزق خطيرة، وأمام تهديدات وجودية، وأمام خيارات حادة تتطلب من شعبنا أن يكون فعلاً شعبَ الجبارين، وأن يكون صاحبَ مواقف تاريخية، ووطنية، وأن يكون في مستوى الأمانة التي تركها لنا الشهداء الأبطال. ومن هنا فإننا في حركة فتح نؤكد التالي:

أولاً: إنَّ (م.ت.ف) هي الممثل الشرعي والوحيد لشعبنا الفلسطيني، وهي بيتنا الوطني الذي نشأنا فيه، واستودعناه تاريخَنا النضالي، ورسالة شهدائنا، واستندنا في كفاحنا إلى البرامج السياسية، والقرارات التاريخية التي تم اعتمادها من خلال مجالسنا الوطنية، ومقرراتها المركزية بعيداً عن الوصاية والتبعية، أو المتاجرة بدماء شهدائنا.

ثانياً: إن إنعقاد المجلس الوطني الأخير في رام الله شكَّل بحضوره الفلسطيني، وقراراته السياسية الواضحة والتي كانت على المستوى المطلوب وطنياً، وسياسياً، وشكلت بالتالي رافعةً مهمةً للنضال الفلسطيني بغض النظر عن تغيُّب البعض.

ثالثاً: إن القيادة الفلسطينية التي أصَّرت على دعوة الجميع للحضور، ثم عقد الجلسة بعد مرور أكثر من إثنين وعشرين عاماً، وبحضور ما يزيد على الثلثين من الأعضاء، شكَّل انتصاراً للشرعية الفلسطينية، واستمرارها في تحمُّل مسؤولياتها في أخطر المراحل.

رابعاً: إنَّ انعقاد المجلس الوطني، واتخاذَه قراراتٍ واضحة ومهمة في مسيرة الكفاح الفلسطيني فوَّت الفرصة على كل المراهنين على سقوط الشرعية، أو الساعين إلى تشكيل البدائل السياسية تمهيداً لإزدواجية السلطة، وإعطاء الفرصة للولايات المتحدة للتلاعب بمصير الشعب الفلسطيني.

خامساً: إننا في هذه الذكرى السبعين للنكبة نؤكد تمسكنا بحقوقنا الوطنية والسياسية، ونرفض أيَّ مساومة عليها. فثوابتنا الفلسطينية واضحة، وحقوقنا الوطنية تؤكدها مقررات الشرعية الدولية، فمن حقنا إقامة دولتنا المستقلة على الأراضي المحتلة العام 1967، والقدس الشرقية هي العاصمة الأبدية لدولة فلسطين ذات السيادة الكاملة.

كما نؤكد حق شعبنا في العودة إلى أرضه المباركة والتاريخية التي شُرِّد منها إستناداً إلى القرار 194 الذي ينص على العودة لكل اللاجئين الفلسطينيين، والتعويض عليهم.

سادساً: نؤمن إيماناً كلياً بأن تجسيد الوحدة الوطنية عملياً وعلى أسس واضحة تعزز الثقة الداخلية هي الكفيلة بإنهاء الانقسام وكل آثار الانقلاب السابق، وتكريس المصالحة الوطنية بوجه الاحتلال الاسرائيلي.

سابعاً: نوجِّه التحية إلى أهلنا في قطاع غزة الذين بدأوا إنتفاضتهم العارمة ومسيرتهم المتواصلة باتجاه الدُشم الاسرائيلية منذ الثلاثين من آذار، ورغم تعُّمد جنود الاحتلال قَتْل المدنيين بالرصاص الحي، والغازات السامة وقد بلغ عدد الشهداء حتى ظهر اليوم الاثنين ما يزيد على تسعين شهيداً، وقرابة العشرة آلاف جريح. ونشيد بهذا العطاء الثوري الذي يحمل القيم الثورية الجذرية.

ثامناً: نوجِّه التحية إلى أهلنا الصامدين في كل محافظات الضفة الغربية، وخاصة في القدس الشرقية، حيث تتواصل الانتفاضات الشعبية، والهبات الجماهيرية عبر السنوات السابقة. وأصبحت حالة الصمود اليومية، وحالة المواجهات مع الاحتلال، والإصرار على إثبات الذات الفلسطينية، والحالة الوطنية شامخةً بوجه الجيش الصهيوني العنصري، وأن تبقى الجبهة الداخلية صلبة متماسكة قادرة على إحباط مؤامرة ترامب المعادية للشعب الفلسطيني والأمتين العربية والاسلامية.

تاسعاً: إنَّ حجم التحدي الاميركي والصهيوني الحالي يتطلب مواقف جذرية واضحة عربياً وإسلامياً برفض صفقة ترامب بكل تفاصيلها، لأنَّ أركان هذه الصفقة بكل تفاصيلها انما تستهدف كرامة الأمتين الاسلامية والمسيحية، كما تستهدف الشعب الفلسطيني بمقدساته، وتاريخه، وأرضه، وثوابثه المقدسة. كما تستهدف الشرعية الدولية ومقرراتها، وهيئاتها.

إنَّ هذه الوَقفة التاريخية في كافة الاراضي الفلسطينية، وفي الشتات، إنما هي تأكيد على مواصلة الكفاح الوطني وبكل قوة من أجل الحفاظ على تاريخينا المشرِّف، وعلى مقدساتنا، وعلى كرامتنا الوطنية، وعلى التمسك بثوابتنا الوطنية حتى النصر.

المجد والخلود لشهدائنا الابرار.

والنصر والحرية لأسرانا البواسل.

والشفاء لجرحانا الأبطال.

وانها لثورة حتى النصر.

قيادة حركة فتح – لبنان

14/5/2018